لم تكن السريالية قد ظهرت بعد حين استعمل الشاعر الفرنسي أبولينيير هذه اللفظة في أشعاره ، ونشر اندريه بريتون بيانه الشهير . بل ان هناك ارهاصات سوريالية تتضمنها اعمال بعض الرسامين في الاحقاب السابقة . فبين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر انجز كل من جيروم بوش وغويا اعمالا فنية تطابق تماما التصورات السريالية ، وهكذا يتبين لنا ان السرياليين شيدوا نظرياتهم بناء من بعض الاشكال التي استخرجها فنانيهم من اعماق لاشعور .
والواقع ان عددا كبيرا من الفنانين القدامى كانوا ايضا ينجزون أعمالهم الفنية وهم في حالة نفسية قريبة من حلم اليقظة . غير انهم كانوا يتجنبون تصوير بعض الاشياء حتى لايخدشوا مشاعر محبيهم . وتشير بعض الاثار الفنية التي تجاهلها الرسامون في القرن 18 م وما زالت المتاحف تعرض بعضها الى هذه السيرورة .فقد كانت تلك الابداعات تشكل بالنسبة لاصحابها بحثا عميقا ورغبة في تسجيل احلامهم ، أنجزوها وراء متعة شخصية واستجابة لحاجة ماسة في التعبير .
لكن مايميز الفن السريالي هو انه لا ينتمي الى مدرسة ما ولا يستطيع ان يؤسس مدرسة قائمة بذاتها . ولا يخضع لاية قاعدة لانه يعبر عن ذاته . ويرتكز على ما يسميه بريتون ( النموذج الباطني ) الذي لايرتبط بأي منطق . واللوحات السوريالية بوجه عام وحسب قراءتي المتواضعة تقدم لنا أشياء واجسام عجيبة وغريبة لكن على ما اعتقد فان مدلولاتها الباطنية تحمل الكثير من المعاناة .. ومثال على ذلك لوحة سلطة الحلم والتي اتخذتها كنموذج ولوحة عين الصمت لماكس ارنست وهما سرياليين . هذه الاعمال يصعب بل يستحيل الاقتراب منها فهي غالبا ما تدعو الى الحيرة ولابد لها من مفاتيح من فرويد في التحليل النفسي او غيره .